بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ).
في هذا الحديث العظيم يبين النبي صلى الله عليه وسلم إن عمل الإنسان ينقطع بالموت فإن من مات فقد انقطع عن دار العمل وانتقل إلى دار الجزاء والحساب ، ولذلك فإن الحياة فرصة عظيمة للأحياء في أن يعملوا وأن يتزودوا بالأعمال الصالحة : فرصة لأن ينيبوا إلى الله تعالى ويرجعوا إليه .
إنك أيها الإنسان الآن في دار يتمناها الأموات لكي يعملوا صالحاً وما من ميت يموت إلا وقد ندم إن كان محسنا ندم ألا يكون قد ازداد وإن كان مسيئا ندم ألا يكون قد استعتب وأناب .. ..
روي بعض الموتى في المنام فقال: نحن أيها الأموات نعلم ولا نستطيع أن نعمل. وأنتم أيها الأخيار تعلمون ولا تعملون والله لتسبيحة واحدة يجدها أحدنا في صحيفته خير من الدنيا وما فيها .
ولذلك فقد نُهِي عن تمني الموت لأنه بالموت تنقطع الأعمال ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ نزل به إن المؤمن إذا مات انقطع عمله وإن المؤمن لن يزيده عمره إلا خيراً )
أيها الإخوة في الله : وفي هذا الحديث العظيم يخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأن أموراً ثلاثة لا تنقطع بالموت وإنما يجري للإنسان أجرها وثوابها بعد موته ... نعم إن الموت تنقطع به الأعمال لكن هذه الأمور الثلاثة لا تنقطع بالموت.
الأمر الأول : صدقة جارية والصدقة الجارية هي الوقف والسبيل في أمور الخير فما وقفه المسلم لله تعالى فهو من الصدقة الجارية التي يستمر ثوابها له بعد مماته ، كعمارة المساجد، والأوقاف التي تسبل وتوقف للفقراء والمحتاجين والمعوزين ونحو ذلك من الأوقاف في أمور الخير.
والوقف يا عباد الله هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فلا يباع ولا يورث ولا يوهب وهو من أفضل القرب إذا كان في أمور الخير ويكفي في بيان فضله أن ثوابه يستمر للإنسان بعد مماته ولذلك فقد أشار به النبي صلى الله عليه وسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استشاره في أنفس مال أصابه ماذا يفعل به ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال : يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به ؟ قال : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ( أي أوقفتها ) قال : فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً.
فتأملوا رحمكم الله هذه القصة وكيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم أشار على عمر في أنفس مال أصابه بأن يوقفه فأوقف عمر أرضه على الفقراء وعلى أقاربه وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف ولهذا فقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على الوقف حتى أنه كما يقول جابر : ما من أجر : أنها وقف .
عباد الله : تحروا بمصاريف أوقافكم الفقراء والأقارب وما يشمل نفقه وتشتد الحاجة إليه ( كالمساجد والكتب الدينية ومكاتب الدعوة إلى الله وتوعيه الجاليات ونحو ذلك واحذر من وقف الإضرار والمحاباة كمن يقصد بالوقف إضرار شريك أو حرمان وارث أنفعه فإن من الناس من يوقف أوقافا بقصد حرمان بعض الورثة من الإرث وهذا لا يحل لهم دون غيره من الورثة فإن الوقف عبادة لله لا تصح إلا إذا خلصت لله موافقة لشرعه ... .
الأمر الثاني : مما يستمر أجره وثوابه للميت بعد موته: علم ينتفع به والمراد بهذا العلم : العلم المستمد من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون توريثه بالتعليم والتأليف والنشر ونحو ذلك وها نحن يا عباد الله نذكر علماء ماتوا من مئات السنين ونترحم عليهم وندعو لهم هذا هو العلم النافع الذي يبقى للإنسان بعد وفاته وكلما كان العلم أكثر نفعاً وأوسع انتشاراً كلما كان أعظم ثواباً وأجرا ويدخل في ذلك من دعا إلى هدى فإن له مثل أجر من تبعه ولو كان ذلك بعد وفاته يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ).